قصص وحكايات : "هادي والدَّجاج"
استيقظ هادي هذا الصَّباح، وفكّر: هو يُحبُّ الدَّجاجَ وأفراخها كثيراً، ويحبُّ أنْ يلعبَ معها، لذلك قرَّر أنْ يذهبَ إِلى بُستانِ الجارةِ العجوز، هناكَ حيثُ يسرحُ الدّجاج.
سار بين الأشجار، ثمّ مشى على الدَّرْب التُّرابيّ حتّى وصلَ إلى البُستان، ومن بعيدٍ، رأى هادي الدَّجاجَ والدِّيَكةَ والأفراخَ تنتشر هنا وهناك، فقفز في مكانهِ فَرِحاً، وقال في نفسه: هي فُرصةٌ لألعبَ معها.
اقتربَ ببُطءٍ مِنْ خَلْفِ الأشجارِ، وراحَ يراقبُ دجاجةً بُنِّيَّةَ اللَّونِ، ريشُها لامعٌ مُزركَشٌ بالأسود، وعُرفُها أحمرُ كبيرٌ، أُعجبَ بها كثيراً، وأحَبَّ حركاتِها ونشاطَها في نَقْر الحُبوب.
قال بصوتٍ هامسٍ: تعالي أيَّتها الدَّجاجة! سنلعبُ معاً.
أخذ يقتربُ منها رويداً رويداً، وحين لمحتهُ الدَّجاجةُ نفرَتْ من مكانها، وركضتْ، وهي تُنَقْنِقُ، فبَثَّتِ الذُّعْرَ في باقي الدَّجاج.
مكثَ هادي في مكانهِ حتّى هدأتِ الأحوال، وفجأةً لمحَ بيضاتٍ عدّة تحت الشّجرة حيثُ كانتْ ترقُدُ الدَّجاجة. اقتربَ نحوَ المكانِ، ولمسَ بيضةً، فشعرَ بدفئها ونعومةِ ملمسِها. فكَّرَ: إذاً، الدَّجاجةُ ستصبحُ أُمّاً، وكانت ترقدُ فوقَ البيضِ لتخرجَ منهُ الأفراخُ. كم أنا قاسي القلب! لقد أقلقتُ راحتَها، فالبيضُ في طَوْرِ التَّفقيس، ستغدو حزينةً بلا شكّ. لكنْ، لا، لن أسمحَ لنفسي بذلك، لن ألمسَ البيض أبداً، سأدعُهُ للدّجاجة الجميلة، فهي أُمٌّ، ولا بُدَّ من أنْ تعودَ لتحضن البيضَ من جديد عندما تشعر بالأمان.
ابتعد هادي، واختبأ خلف شُجيرات قريبة ليتَحقَّقَ من عودة الدّجاجة إلى البيض مُجدَّداً. وبعد دقائق، اقتربتْ الدّجاجة الأمُّ بحذر حتى وصلت إلى الشّجرة التي تركت تحتها البيض. شعر هادي بفرحة عارمة، وهو يراقب الأمَّ تُوزِّع دفأها على أفراخها التي لم ترَ النُّور بعد. كان المشهد رائعاً، فلم يستطع هادي أن يترك مكانه خوفاً من أن تفزع الدّجاجة، وتترك صغارها مُجدّداً، وبقيَ يراقب المشهد حتى تراءى له أنّ الدّجاجة الأمّ قد غفت، فانسلّ بهدوء خارجاً من البستان، وهو يقولُ لنفسه: لا بدَّ لي من العودة إلى هنا غداً لأطمئنّ على صديقتي الدّجاجة وأفراخها.
وهكذا أصبحت زيارتُه للدّجاجة وبيضها أمراً اعتاد عليه كلّ يوم، بل بات يترقّب طلوع الشّمس ليزور أصدقاءه الجُدد، والفضول يطير به على جناح اللهفة، لعلّه يُفاجأ برؤية الأفراخ، وقد خرجت من البيض لتبصر الحياة. ولم يَطُل انتظارُه، فما هي إلا أيّام معدودات حتّى وصل هادي في الصّباح الباكر إلى الشّجرة، فوجد الأفراخ ذات الزّغب الأصفر النّاعم تتلوّى جوعاً، وأمُّها الحنون تُوزِّع عليها بمنقارها الصّغير الطّعامَ الذي جمعته من أجلها.
كان منظر الدّجاجة وأفراخها في غاية الرّوعة، ولم يستطع هادي أن يمنع نفسه من التوجّه إليها لرؤيتها عن قرب بعد أن كان ينتظرها بلهفة، وقال في نفسه: سأستمتع بمنظرِ أفراخ الدَّجاجة، وهي تلعب في البُستان بأمانٍ، وسأطلُبُ من جارتنا أن تدعني ألعب معها دون أنْ أمسَّها بأذى. أعلم أنّها ستُحقِّقُ لي رغبتي لأنَّها امرأةٌ طيِّبةٌ، وأنا واثق بأنّها لن تحرمني من أصدقائي الصّغار، فأنا سأحرص عليها، وأهتمّ بها، بعد أن رأيتُ أمَّها تقضي نهارها وليلها لتُوفّر لها الحبّ والحنان.
والآن، سأذهب إلى جارتنا العجوز لأرويَ لها حكايتي أنا هادي والدّجاج.
قصّة: سريعة سليم حديد
رسوم: نجلاء الداية