قصص وحكيات : عَودَةُ المَطَر
رسوم: رامي الأشهب
- هيييه... رُويدَكِ! لِمَ تدفعينني بهذهِ القسوة؟!
- أُريدُ أن أوصلكِ بسرعةٍ إلى تلكَ القُرى والحقول البعيدة. إنَّها عطشى، وفلَّاحُوها ينتظرونكِ بفارغِ الصَّبر.
- ولكن، لماذا تفعلينَ ذلك؟! انظُري إلى هذه القُرى والحقولِ القريبة، إنَّها في حاجةٍ إلى مطري أيضاً!
- أعلمُ ذلك، لكنَّ فلَّاحِيها تركوا زراعتَها منذُ زمنٍ، وانصرفُوا يتقاتلون. إنَّهم لا يستحقُّون أن تُروَى حُقولُهُم، ولا فائدةَ تُرجَى من ذلك.
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj5tJvdOdv16WsqiwdOY1mrdLCLWutAkd3bpMdTvajYrzR5vVXh67RSSh4OK5XLDw_JW2I6nm3U6VvHrBSf-Mo7af_OEhMXao55Uay8zxtcqwtdHX7KfFtSHnd_IIo4ONLtzZ0RVfsebDNf/s400/13935157_1796760890610990_8130957398455.jpg)
- وإلى أينَ تدفعينني إذاً؟!
- أُريدُ إرسالَكِ إلى تِلكَ القُرى البعيدة. إنَّ فلَّاحِيها يعملون بجدٍّ كلَّ يوم، وأرغبُ في أن تروي حقولَهم بمطرِكِ لينموَ زرعُهُم.
استمرَّتِ الرِّيحُ بدفعِ الغيومِ نحوَ القُرى البعيدة، وبدأ المطرُ ينهمرُ بغزارةٍ فيروي الحقولَ، وخرجَ الفلَّاحُون فرحِين مُستبشرين بموسمٍ جيّدٍ مِن خيراتِ الأرض. أمَّا فلَّاحُو الحقولِ القريبة فقد وقفُوا مذهولين، ينظرون إلى السَّماء، وهم يحملون بنادقَهم، فيَرونَ الغيومَ الدَّاكنةَ المُحمَّلةَ بالمطرِ تعبرُ فوقَ حقولهم دونَ أن تذرفَ منها قطرة واحدة.
نظرَ فلَّاحٌ إلى صديقه بحسرةٍ قائلاً: منذُ أربعِ سنواتٍ والغُيومُ تَمُرُّ فوقَ حقولنا دونَ أن ترويها بالمطر.
نعم، وما حاجتُنا إلى سِقايتها، ونحنُ لا نزرعُها؟!
إنَّنا فلَّاحُون، وقلوبُنا تنفطرُ حينَ نرى حقولَنا لا تنبتُ، وشجرَنا لا يُثمرُ!
تُرى هل أخطأنا بحقِّها حينَ أهملناها؟ لقد تحوَّلت إلى أراضٍ بائرةٍ لا حياةَ فيها!
ربَّما لو حملنا مَعاوِلَنا ومَجارِفَنا بدلاً من هذهِ الأسلحة، وحرثنا أرضَنا، وبذرنا بذورَنا فيها، لكانَتِ الغيماتُ أسقطَت مَطَرَها فوقَها، فروتها وأنبتتها.
قرَّرَ الفلَّاحُ يومَها أن يعودَ إلى أرضِهِ يحرثُها ويزرعُها، وتخلَّى عن سلاحِه، وانتشرَ الكثيرُ من أبناءِ القُرى القريبةِ في حقولهم يَحرثُونَها، فقد أدركُوا أخيراً أنَّ ترابَ الأرضِ أغلى مِن أيِّ شيءٍ آخر، وأنَّ عليهم أن يكونُوا معَ أنفسِهم قبلَ أن تكونَ الرِّيحُ والغُيومُ معَهم.
تلبَّدَتِ السَّماءُ بغُيومٍ سُودٍ، وهبَّت ريحٌ خفيفةٌ تدفعُها نحوَ القُرى والحُقولِ القريبة بهدوءٍ، وبدأ المطرُ يروي الأرضَ العطشى، والفلَّاحون يستبشرون بموسمٍ جيِّدٍ مِن خيراتِ الأرض.